الدليل الشامل في تدريس الرياضيات مع شرح مفصل لطريقة سنغافورة
سمير بونكة جزاه الله خيرا
للمعاينة والتحميل : من هنا
المقدمة
تعد الرياضيات أساس المعرفة وعنصرا أساسيا في تطور مختلف العلوم سواء الفيزيائية؛ البيولوجية؛ الطبيعية؛ الاقتصادية؛ الاجتماعية أو غيرها. ولا يوجد مجال في عصرنا الحالي وحتى في المستقبل لا يعتمد الرياضيات. وذلك لكونها وسيلة وأداة لحل المشكلات؛ ولكونها مادة مجردة يمكن إسقاط معادلاتها واستخدامها وأدواتها في كل المجالات.
ففي حياتنا اليومية؛ تُستعمل الأرقام والعمليات. وفي مجال الطب تستعمل النسب المئوية في صناعة الأدوية وتعرف سرعة تأثيرها في الجسم. وفي مجال الطقس تحسب بها سرعة الرياح ودرجات الحرارة لتقديم التوقعات الجوية. وفي مجال الصناعات تستعمل التكنولوجيا التي هي نتاج الرياضيات؛ بل هي المنطق الرياضياتي نفسه. وفي مجال الفن تستعمل الهندسة والقياسات للإبداع في الصور والزخرفات وغيرها. أما في مجال المعلوميات فتستعمل لتطوير لغات البرمجة. فلا تفكر في مجال إلا ووجدنا الرياضيات في خدمته وأساسا لتقدمه.
الرياضيات ليست أساسا لتطور العلوم فقطء بل هي أيضا أساس لبناء شخصية الأطفال؛ ودعم استقلاليتهم» وإكسابهم الثقة بالنفس. فهي تنمي لديهم مهارات التفكير الرياضياتي وتساعدهم وتقدم لهم الأدوات اللازمة لفهم المجتمع والاندماج فيه بمواجهة وحل المشكلات؛ ما يسهل ممارسة دورهم الإيجابي في الحياة ومساهمتهم في خدمته.
إن أهمية الرياضيات البالغة جعلت الدول المتقدمة تفكر في (machine leraning) تعليم الآلات الرياضيات كفرع من فروع الذكاء الاصطناعي؛ وهو ما يسمى أيضا بالتعلم الذاتي للآلة. ويتم ذلك وفق خوارزميات يتم إعدادها لتمكين الآلات من اكتشاف أنماط متكررة ضمن بيانات عملاقة من الأرقام» الكلمات» الصورء والأصوات ...
فإذا كانت التكنولوجيا تطور الحواسيب والآلات لتصير أكثر قدرة وسرعة على معالجة البيانات؛ فإن الرياضيات تنمي العقل البشري لامتلاك الكفايات الاستراتيجية والمنهجية للارتقاء بالمجتمع إلى مجتمع منتج للمعرفة والعلوم عبر تطوير البحث العلمي والابتكار في جميع المجالات.
يولي المنهاج الدراسي المغربي أهمية كبرى لتدريس الرياضيات حيث اعتبره من أهم المواد الدراسية التي تعمل على تكوين الفكر وتنمية الكفايات والقدرات الذهنية للمتعلمين. وقد وضعت الوثيقة مجموعة من المبادئ والأسس التي يجب اعتبارها بمثابة ثوابت واختيارات تربوية ومنهجية تشكل خلفية نظرية ومحددات منهجية للممارسات البيداغوجية داخل الأقسام. وأي إخلال وعدم احترام للمبادئ سيؤدي حتما إلى خلل في النتائج.
فتدريس الرياضيات وبناء المفاهيم دون الانتقال من المحسوس إلى المجرد يجعل الممارسات البيداغوجية تعتمد على الشرح والتلقين والتحفيظء تحفظ فيها القواعد وتتذكر أثناء التطبيق والاستثمار. وهذا ما يشكل سببا من أسباب فشل الكثير من المتعلمين في مسايرة التعلم في الرياضيات؛ وأحيانا وصول بعضهم إلى حد كره المادة ظانين أنها معقدة ولا يمكن لهم التفوق فيها. وكون الرياضيات مادة مجردة والمفاهيم فيها تراكمية يبنى بعضها عل بعض؛ يجعل تعليمها وتعلمها صعبا جدا ويحتاج ممارسات بيداغوجية وتدبيرا ديدكتيكيا خاصا. فكل عناصر الوضعية الديدكتيكية في تدريس الرياضيات مهمة جدا؛ لأن إعداد بيئة التعلم من الشروط الأساسية والضرورية للممارسة البيداغوجية. وغياب الأدوات والوسائل التعليمية؛ أو عدم صياغة الوضعيات المشكلة الملائمة؛ أو عدم دعم ومعالجة التعثرات السابقة لبناء مفهوم جديد؛ كلها أمثلة توضح أهمية عناصر بيئة التعلم في تدريس الرياضيات.
لتلك الأهمية؛ وإسهاما منا بتوفير الأدوات والموارد سواء المعرفية؛ أو البيداغوجية؛ أو الديدكتيكية المنهجية تمكن المدرسين من تدريس الرياضيات وفق ما تقتضيه الأسس المنهجية. فكرنا في إعداد هذا الدليل الشامل في تدريس الرياضيات الذي قسمناه إلى قسمين:
يتضمن القسم الأول في فصله الأول؛ الأسس النظرية لتدريس الرياضيات بالتعليم الابتدائي بما فيه البيداغوجيات الحديثة الأكثر استعمالا واستثمارا في الرياضيات. والفصل الثاني يفصل في الأسس المنهجية؛ والمبادئ» والأهداف العامة لتدريس الرياضيات؛ مع التطرق إلى لوائح ومهارات التفكير الرياضياتي التي يستهدف الرياضيات تنميتها لدى المتعلمين؛ إضافة إلى مستويات المعرفة التي يجب أن يصل إليه تحكم المتعلمين من تلك المهارات والمعارف؛ وانتهاء بفقرات حول إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم. في الفصل الثالث؛ تم جرد المفاهيم الرياضياتية المدرسة في المدرسة الابتدائية مع تفصيل في تطورها خلال المستويات الست. وتم تخصيص فصل خاص لدراسة طريقة سنغافورة في تدريس الرياضيات لما حققته من نتائج مبهرة على الصعيد العالمي؛ ولاعتمادها من طرف أكثر من ستين دولة عبر العالم من بينها دول متقدمة. ويتضمن الفصل محاور حول الأسس النظرية والبيداغوجية للطريقة؛ المبادئ الأساسية؛ نموذج لبرنامج فرنسا للرياضيات للسنة الأولى من التعليم الابتدائي لكونها تعتمد طريقة سنغافورة.
وفي القسم الثاني وفي فصله الأول تفصيل حول ديدكتيك الرياضيات. وفي الفصل الثاني؛ التدبير الديدكتيكي والإجرائي لدروس الرياضيات بجميع مستويات التعليم الابتدائي. ويتضمن هذا التدبير برنامج الرياضيات لجميع المستويات: المكتسبات اللازمة والسابقة لبناء الدروس؛ إلى جانب الوضعيات المشكلة المناسبة.
مع تقديم نماذج لمجموعة من الأنشطة المتدرجة لترييض المفاهيم الرياضياتية لكل درس. كما تم تخصيص فصل لتحليل وضعيات اختبارية حول ديدكتيك الرياضيات؛ وفصل حول التناوب اللغوي.
وحاولنا في هذا الكتاب التفصيل مع الأمثلة المناسبة للممارسات المهنية؛ ليكون في خدمة المكونين»؛ المدرسين؛ كل المهتمين من آباء وأمهات وغيرهم. لكون المدرسة تدخل في صلب المشروع المجتمعي لبلادناء وعلى الجميع المساهمة كل من زاويته في تحقيق أهداف إصلاح منظومة التربية والتكوين.
سمير بونكة
أكادير، 01 فبراير 2022